نظريات علم النفس السلوكي وأهم تطبيقاته

يسعى علماء النفس دائمًا لفهم تصرفات الإنسان، ولمعرفة سبب اتخاذه سلوكيات معينة في مواقف معينة، ومن هنا جاء فرع من أهم فروع علم النفس، وهو علم النفس السلوكي، تابع معنا هذا المقال لتتعرف على هذا العلم وأهم نظرياته وتطبيقاته.
ما هو علم النفس السلوكي؟
علم النفس السلوكي هو العلم الذي يفسر سلوكيات الإنسان، حيث يعتقد علماء النفس السلوكي أن أي سلوك يمكن أن يكتسبه الإنسان إذا توافرت البيئة المناسبة، بغض النظر عن ميوله، أو هواياته، أو ما يرغب في فعله.
ظهرت أصول علم النفس السلوكي على يد العالم جون واطسون في عام 1913، والذي رأى أن السلوك الإنساني يجب أن ينال الاهتمام الأكبر والملاحظة، فضلاً عن الدوافع والمشاعر الداخلية التي لا يمكن ملاحظتها، وتم تطوير هذه النظرية، وافتراض أن السلوك البشري ناتج عن تأثير البيئة ويمكن التحكم فيه.
اقرأ أيضًا: علم الاجتماع التربوي | تعريفه وأهدافه وأهم نظرياته
نظريات علم النفس السلوكي
يعتقد علماء النفس أن العوامل البيئية لها تأثير قوي على اكتساب سلوكيات جديدة، أي أنه يمكن اكتساب السلوك من خلال التكيف عليه، وتوجد نظرتين قام عليهما علم النفس السلوكي، وهما: الإشراط الكلاسيكي، والإشراط الاستثابي، وفيما يلي نستعرض كلا النوعين بشكل أكثر تفصيلاً:
الإشراط الكلاسيكي
الإشراط الكلاسيكي هو نوع من التعلم اللاواعي الذي يظهر كاستجابة مرتبطة بمحفز معين، حيث يؤدي التأثير المستمر لهذا المنبه إلى تعزيز تشكيل سلوك معين. تم وضع هذا المبدأ بواسطة عالم وظائف الأعضاء الروسي إيفان بافلوف، الذي اشتهر بتجاربه على الكلاب، واختبر هذا المبدأ أيضًا عالم النفس جون واطسون على البشر. باختصار يعزز الحافز الإيجابي أو السلبي المصاحب لسلوك معين، استجابة لهذا السلوك، غير مشروطة بالحافز فيما بعد.
مثال على الإشراط الكلاسيكي: إذا كان مديرك ينتقد دائمًا الأعمال التقديمية التي تقوم بها، فإن ذلك سيحفز لديك عدم الرغبة في القيام بأي عمل تقديمي أمام الجمهور، ويصبح هذا السلوك مستمرًا وغير مشروط بانتقاد المدير (الحافز).
الإشراط الاستثابي
هذا النوع من التكيف السلوكي، يشير إلى طريقة تعلم تعتمد على المكافأة والعقاب كنتيجة للقيام بالسلوكيات المختلفة، مما يعزز الارتباط المشروط بين سلوك معين والنتيجة التالية له، ويتم استخدام هذين النوعين من التعزيز لتحفيز استجابات معينة:
التعزيز الإيجابي: يعمل هذا النوع على تشجيع السلوكيات الإيجابية من خلال تقديم مكافأة عند القيام بالسلوك المطلوب.
التعزيز السلبي: عن طريق إزالة شيء مرغوب فيه، كنتيجة للقيام بالسلوك غير المرغوب فيه، مما يعزز التوقف عن فعله.
هذه النظرية تم وضعها بواسطة العالم سكينر، الذي اعتقد أن العوامل الخارجية الظاهرة التي تؤثر في السلوك البشري هي الأهم، وما زال تطبيق هذا المبدأ في العديد من مجالات الحياة حتى اليوم.
مثال على الإشراط الاستثابي: النهج المستخدم في تعزيز خوارزميات الذكاء الاصطناعي فيما يعرف ب “التعليم التعزيزي”، الذي يعمل على تقنين مبادئ البحث عن المكافأة، واستخدام العقوبة في تدريب الشبكات العصبية.
اقرأ أيضًا: طرق العقاب التربوي وأساليب العقاب لتعديل سلوك الطفل
أهمية علم النفس السلوكي
علم النفس السلوكي من أهم فروع علم النفس التي تم وضعها، ويقوم علماء النفس بتطبيق مبادئ هذا العلم في الكثير من المجالات، ومن أهم استخدامات علم النفس السلوكي:
- العلاج السلوكي لمساعدة المرضى على التخلص من السلوكيات الضارة.
- يدخل في علاج العديد من الاضطرابات العقلية، مثل اضطراب الوسواس القهري والرهاب.
- يستخدم في التحكم في أعراض تعاطي المخدرات، والاكتئاب، والقلق.
- العلاج باستخدام تحليل السلوك التطبيقي القائم على مبادئ علم النفس السلوكي.
- المساعدة في علاج طلاب محددين أو التعامل مع سلوكيات سلبية لديهم، كما يمكن أن يستخدم في تحفيز جميع الطلاب والحفاظ على مشاركتهم.
- الحملات التسويقية وتصميم المنتجات عن طريق ربط العميل بالمنتج من خلال محفزات معينة.
- تحفيز النفس وتطوير الشخصية، والتغلب على بعض العادات السيئة كالتسويف.
- تدريب الحيوانات الأليفة على التعايش مع البشر.
من أهم التطبيقات المستخدمة حاليًا لعلم النفس السلوكي هو استخدام تلك المبادئ في التعليم، وفي العلاج لبعض الاضطرابات العقلية، لذلك نناقشهم معًا في هذا المقال بشيء من التفصيل؛ لتعلم كيفية استخدام علم النفس السلوكي في حياتنا اليومية.

علم النفس السلوكي في التعليم
يقدم علم النفس السلوكي تقنيات مختلفة لإدارة الفصل الدراسي، باستخدام طرق وأفكار مختلفة لتعليم الطلاب، ومن أكثر الأساليب المستخدمة لتحفيز الطلاب على اكتساب السلوكيات الجيدة هو التعزيز الإيجابي، حيث يحصل الطلاب على مكافأة عند تأديتهم بشكل جيد في الاختبارات أو التزامهم بسلوك معين داخل الفصل، ويتم تكرار ذلك الموقف مع الطلاب باستمرار للتأكيد على الرابط بين السلوك الجيد والمكافأة، حيث أنه من الطبيعي أن يؤدي الطلاب الذين يحصلون على التشجيع والتحفيز بشكل أكثر جودة من الطلاب الذين لم يتلقوا مكافآت، وبذلك فإن الدافع يلعب دورًا مهمًا في تعزيز السلوكيات لدى الأفراد، ويمكن للمعلمين تنفيذ تلك التقنية في الفصول الدراسية من خلال:
- التمارين والتدريبات المختلفة لتعليم سلوك معين.
- استخدام الأسئلة والأجوبة في الشرح، حيث يكون السؤال هو المحفز.
- مساعدة الطلاب بشكل مباشر على حل المشكلات وممارسة السلوكيات الإيجابية.
- مراجعة المقررات باستمرار، وتحفيز الطلاب على تثبيت المعلومات.
اقرأ أيضًا: البرمجة اللغوية العصبية
العلاج باستخدام علم النفس السلوكي
يتم تطبيق تقنيات علم النفس السلوكي في كثير من المرافق الإصلاحية، مثلما يحدث في مرافق إعادة التأهيل لتعاطي المخدرات، أو المجتمعات التأهلية للذين يعانون من صعوبات التعلم، ويتم ذلك عن طريق مجموعة من التدخلات العلاجية التي تعمل على القضاء على السلوكيات غير المرغوبة، واستبدالها بسلوكيات صحية ومرغوبة، ويمكن أن تكون التدخلات السلوكية مصحوبة أيضًا بطرق أخرى، وإليك بعض الأمثلة:
- العلاج المعرفي السلوكي القائم على علم النفس السلوكي، وعلم النفس المعرفي.
- استخدام العلاج السلوكي لعلاج إدمان الكحول، عن طريق وصف أدوية تسبب الغثيان عند تعاطي الكحول، مما ينشئ رابطًا بين تعاطي الكحول والشعور بالمرض، وبالتالي عدم الرغبة في التعاطي مرة أخرى.
- تعليم مرضى السكتة الدماغية البالغين كيفية لعب ألعاب الفيديو القائمة على الترفيه، حيث أظهرت بعض البحوث أن هذا التدخل السلوكي لديه القدرة على إعادة تنشيط المسارات العصبية في الدماغ.
- استخدام العلاج السلوكي مع مرضى اضطراب ما بعد الصدمة، عن طريق تعايشهم في الواقع الافتراضي، لتعزيز السلوكيات الطبيعية تجاه ذلك الواقع.
- استخدام تحليل السلوك التطبيقي مع مرضى اضطراب طيف التوحد، لدراسة سلوكياتهم ومحاولة تغييرها.
لا يقتصر استخدام علم النفس السلوكي على هذه التطبيقات، بل يدخل ذلك العلم في الكثير من التطبيقات في مجالات مختلفة، من السياسة، والاقتصاد، وتحسين المبيعات، وعلوم الذكاء الاصطناعي، والبرمجة، بالإضافة لاستخداماته في التعليم الذاتي والأكاديمي، والعلاج النفسي للعديد من الاضطرابات كما ذكرنا، وقد تطور هذا العلم ليتم وضع علم النفس المعرفي الذي ينظر إلى السلوكيات البشرية من كلا الجانبين، التأثيرات البيئية الخارجية، والدوافع الداخلية المحفزة للتصرف بشكل معين، ليصبح ذلك العلم أكثر دقةً في فحص السلوك البشري.
اقرأ أيضًا: الحب والصحة النفسية .. هل الحب يعزز الصحة النفسية؟