الحسد بين الدين والعلم

ربما يعتقد البعض أن معرفة الإنسان بمفهوم الحسد بدأت مع ظهور الشرائع السماوية، ولكن هذا غير صحيح بالمرة.

العين الشريرة عرفت من قديم الأزل في الحضارات القديمة، فالاعتقاد بالحسد معروف منذ عشرات الألاف من السنين، وعبر عنه القدماء بأنه نوع من اللعنات يلقيها الحاسد على شخص أو شىء فتؤثر فيه بالسلب.

أرجع بعض العلماء أصل الاعتقاد بالحسد إلى خوف الإنسان القديم من الحيوانات المفترسة ونظرتها الشرسة لفريستها، فتصوروا أن من يكره شخصا ينظر له نظرة مشابهة لها، وأن تلك النظرة تؤثر فيه وتتسبب له بالأذى.

وبمرور الوقت ظهرت مفاهيم مختلفة للحسد، البعض يفرق بينهما بوضوح، والبعض الآخر يعتبرها شىء واحد، وهي الغبطة، والحسد، والعين.

سنناقش في موضوعنا هذا الحسد من المنظورين الديني والعلمي، وهل هناك تعارض بينهما أم لا، فلنقرأ معا.

الحسد في المفهوم الديني

ورد الحسد في الكتب السماوية المختلفة، وللحسد في الدين الإسلامي ثلاث معان:

الحسد الحميد (الغبطة)

الغبطة هي نوع محمود من الحسد، وهي ببساطة أن تتمنى أن تصبح مثل شخص ما دون أن تكرهه أو تتمنى زوال نعمته، ولكنك تعتبره قدوة ومثلًا أعلى تود أن تصبح مثله.

وقد ورد في الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لاحسد إلا في اثنتين، رجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها، ورجلا آتاه الله مالًا فسلطه على هلكته في الحق).

ويمكن تفسير الحديث ببساطة بأن الحسد المحمود لا ينبغي أن يكون إلا في العلم النافع، والعمل الصالح والإنفاق في سبيل الحق.

وهذا النوع من الحسد هو فعل إيجابي يدفع صاحبه إلى تطوير ذاته واستغلال قدراته في نفع نفسه وغيره، ولا شك أنه محمود للجميع.

الحسد السىء

الحسد السىء هو المفهوم الأشهر للحسد والذي يعرفه الجميع، وتعريفه ببساطة هو تمني زوال النعمة من عند صاحبها.

وهو مسألة نفسية لا يمكن أن ينجو منها أحد إلا بتدريب النفس على الأخلاق الكريمة، والإيمان بأن النعمة قضاء من عند الله، وتمني زوالها هو اعتراض على قضاء الله وتشكيك في حكمته عز وجل.

كما أن الحسد السىء يمكن أن يدفع الإنسان إلى ارتكاب الشرور والآثام، فقد يصل الأمر لأن يقتل الحاسد المحسود، فقد قتل قابيل أخاه بدافع الحسد والحقد، وبهذا كان الحسد سببًا في أول جريمة قتل ارتكبها الإنسان على وجه الأرض.

العين (النظرة)

النوعين السابقين من الحسد موجودين لدى الجميع، وفي استطاعة الشخص التحكم فيهما تبعا لأخلاقه وميول نفسه، أما العين أو النظرة فهي موجودة لدى بعض الناس فقط، ويمكن اعتبارها نوع من القدرات الخاصة للدماغ البشري الذي لم يسبر العلم جميع أغواره حتى الآن.

والنظرة تحدث تأثيرا ملموسا في المحسود بلا تدخل ملموس من الحاسد، ولا يمكن للحاسد التحكم فيها أو السيطرة عليها، ويختلف أثرها من شخص لآخر، بل ويمكن أن يختلف لنفس الشخص.

الحسد السىء بمعناه المشروح سابقا يعلمه الجميع ويعترف بوجوده، فلا أحد ينكر أن بعض الناس يحقد على البعض، ويتمنى زوال نعمتهم وقد يدفعه حسده لإلحاق الأذى والضرر بهم، وبالتالي فهو لا يحتاج إلى دليل علمي لإثباته فهو واقع يعرفه ويراه الجميع.

كما أنه ورد في القرآن والسنة بنفس المفهوم، وأمرنا الدين بالبعد والانتهاء عنه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تجسسوا)، وقال أيضا (إياكم والحسد، فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب).

وقال تعالى في سورة الفلق:بسم الله الرحمن الرحيم ((ومن شر حاسد إذا حسد))، وفي سورة النساء:بسم الله الرحمن الرحيم ((أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله)).

أما الحسد بمعنى العين أو النظرة، فلم يرد ذكره في القرآن، ولو أن البعض اعتبر أن الآية:بسم الله الرحمن الرحيم ((من شر حاسد إذا حسد)) تشمل العين وليست قاصرة على الحقد الملموس.

ولكن العين وردت في السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم (العين حق، ولو كان شىء سابق القدر لسبقته العين، وإذا استغسلتم فاغتسلوا)، كما قال صلى الله عليه وسلم(العين حق، تستنزل الحالق) والحالق هو الموت.

ولكن العين ليست فعل ملموس يمكن رصده، فلا يمكنك أن تجد دليلا ملموسا على كون فلان قد عان فلان وآذاه بنظرته، وأدى هذا إلى تشكك البعض في وجود مفهوم العين أو النظرة الحاسدة، وبخاصة أن العلمانيون لا يقتنعون إلا بما يمكن إثباته علميا، وبالتالي لا تقنعهم الخوارق والقدرات الخاصة وعالم ما وراء الطبيعة الملموسة، فهل هناك دليل علمي على وجود العين أو النظرة؟

الحسد

قدرات الدماغ البشري غير المحدودة

برغم توصل العلم إلى مراكز الدماغ المسؤولة عن الوظائف المختلفة، وحتى العواطف والغرائز كالجوع والشبع والخوف والحب والكره والأمومة والغريزة الجنسية وغيرها الكثير، غير أن الكثير من وظائف الدماغ لم يتم تحديد المراكز المسؤولة عنها على وجه الدقة.

كما أن جزء كبير من الدماغ البشري مازال غير معروف أو محدد الوظائف إلى يومنا هذا، ولكن بما أنه موجود فمن المؤكد أن له وظائف قد تكون قائمة حتى الآن، أو كانت نشطة لدى الإنسان البدائي ثم اضمحلت واختفت بفعل الحداثة والاستغناء عنها.

ومن المعترف به عالميا أن لدى بعض الناس قدرات فائقة للحواس المعروفة، وهي ثابتة بالبحث والتجريب برغم عدم القدرة على إثباتها ورصدها بالأجهزة العلمية والفحوص المعملية أو إيجاد تفسيرات علمية لها، ولكنها موجودة وجميعنا يعلم ذلك.

فجميعنا سمع عن التخاطر مثلا، أو تحريك الأجسام عن بعد، أو قدرة البعض على استشعار الأحداث قبل وقوعها فعلا، أو معرفة أحداث لم يكن الشخص موجودًا حال حدوثها وليست لديه أي معلومات عنها، أو رؤية أحداث حدثت في مكان آخر وربما في زمان آخر، حتى إن بعض أنظمة البحث الجنائي في بعض البلدان قد تستعين بأصحاب هذه القدرات لمعرفة أسباب الجرائم وكيفية حدوثها والتعرف على مرتكبيها برغم عدم وجود أدلة مادية تثبت ارتكابهم لها، إلا أنهم يعترفون بعد ذلك بارتكابها بنفس الكيفية التي سردها الشخص صاحب القدرات الخاصة، وكأنه كان معهم.

وهناك نظرية تفترض بأن جميع البشر في بداية الخليقة كانت لديهم هذه القدرات، ولكنها اضمحلت لدى غالبية الناس وبقيت فقط لدى قلة منهم.

كما أنه تم رصد بعض المؤثرات التي تنشط بعض القدرات الخاصة لدى أصحابها بشكل مفاجئ وبلا مقدمات مثل:

  • أورام الدماغ.
  • التعرض لنقص الأكسجين.
  • التعرض لصدمة مفاجئة كحادث أو صعقة برق أو صعق كهربي.
  • الخضوع لبعض جراحات الدماغ لسبب أو لآخر.
  • التعرض لصدمة نفسية قوية كفقدان شخص عزيز.

وبعض أصحاب القدرات الخاصة تظهر قدراتهم تلقائيا، ربما منذ طفولتهم أو بشكل مفاجئ في أي مرحلة من العمر.

وبما أن تلك الظواهر موجودة ومثبتة ومعترف بها، فلا يوجد ما يمنع أن تكون العين أو النظرة الحاسدة إحدى هذه القدرات الخاصة للدماغ البشري الموجودة لدى بعض الناس.

هل الحسد نوع من الطاقة؟

الطاقة هي موجات كهرومغناطيسية تحدث تأثيراتها المختلفة تبعا لأطوالها الموجية، فتبعا للطول الموجي تتنوع الطاقة بين أشعة جاما وأشعة إكس والأشعة تحت الحمراء وفوق البنفسجية والضوء العادي وموجات الراديو واللاسلكي وغيرها.

وواقع الأمر أن ما تراه العين وما تم رصده من موجات الطاقة ما هو إلا قطرة في بحر من الطاقة الموجودة في الكون، وباعتبارنا نعيش في هذا الكون فلا شك تسقط علينا جميع طاقاته، ما نعرفه منها وما لا نعرفه، فهل يعقل أن أنواع الطاقة الكونية التي نتعرض لها لا تؤثر فينا بالمرة، لمجرد أننا لا نعرفها؟

دماغنا البشري يرسل ويستقبل موجات الطاقة طوال الوقت، يتأثر بها ويؤثر عن طريقها، وقد وجد أن الدماغ يتحكم في وظائف الجسم المختلفة عن طريق موجات من الطاقة يرسلها للجسم في شكل نبضات تستجيب لها مختلف الأعضاء.

وقد وجد أنه حتى وإن تم فصل العضو عن الدماغ، فإنه يحدث نفس الاستجابة إذا وجهت له نفس موجات الطاقة كما لو كان متصلا بالدماغ تماما، أي أن ما يتحكم فينا كليا ما هو إلا موجات طاقة.

وبالتالي فإنه من الممكن لبعض الناس إرسال موجات من الطاقة من أدمغتهم إلى غيرهم فتؤثر فيهم، وهو ما يعرف بالعين.

وقد وجدت عدة بحوث يابانية أن تركيز الحاسد وتأمله في نعمة المحسود وتمني زوالها عنه بدافع الحقد، ينشط بؤرة معينة في دماغه ترسل طاقة إلى المحسود، تؤثر على بدنه وأعضائه بالسلب فتحدث الضرر بجسم المنظور، وتنطلق هذه الطاقة بشكل لا إرادي من الحاسد بمجرد تفكيره في المحسود بطريقة سلبية حاقدة.

كما رجح أن بؤرة انطلاق طاقة الحسد موجودة في الجبهة تحديدا، فتعمل الجبهة هنا كمحطة إشعاع لطاقة الحسد من الحاسد إلى المنظور.

أي أن واقع الأمر أن العين هي نوع من الطاقة السلبية تنطلق لا إراديا من الحاسد إلى المحسود، وليس بالضرورة أن يكون المحسود مواجها للحاسد حال إطلاقها، بل تنطلق بمجرد تفكير الحاسد في المحسود، وهي تنطلق بأطوال موجية مشفرة تستقبلها محطات استقبال في جسد المحسود تتعامل مع شفرتها وتتأثر بها فيحدث التأثير الضار.

الحسد

هل لابد لتأثير العين أن يكون بدنيا؟

ربما تفهمت عزيزي القارىء من خلال الفقرات السابقة أن العين تصيب المحسود بحالة مرضية، ولعلك تتسائل الآن: وماذا عما يقال عن أثر العين على حياة الشخص وأعماله وما إلى ذلك؟

لعلك تعلم أخي القارىء أن تفاصيل حياتنا ناتجة عن أفعالنا، فمثلا إن اتخذت قرارات سليمة فيما يتعلق بعملك أو تجارتك فسوف تحقق النجاح وتجني الأرباح، والعكس صحيح، إذا تعاملت مع من حولك باللطف واللين فستكون محبوبا وموفقا في علاقاتك الاجتماعية والعكس صحيح.

ويمكن للعين أن تؤثر على قراراتك ومشاعرك وسلوكك تجاه من حولك وما حولك، فتكون النتيجة التأثير على حياتك بأكملها.

فعلى سبيل المثال قد تؤثر العين على مشاعرك تجاه زوجتك، فتعاملها بغلظة وفظاظة، فتكون النتيجة أن تكرهك وتنفر من العيش معك، أو تتكاسل عن آداء عملك فتكون النتيجة فقدانك للعمل، أو تنصرف عن دراستك فتكون النتيجة رسوبك.

فعل الحسد على مجريات الحياة قد يكون من خلال تأثيره البدني على دماغ المحسود، بشكل يسبب تشوش وتخبط قراراته التي تحدد بالطبع مجريات حياته.

كيف يمكن الوقاية من الحسد؟

كل ذي نعمة محسود، وبالتالي فلا يوجد منا من لا يتعرض للحسد، لأن واقع الأمر أنه لا يوجد منا من لا يسبح في بحر من نعم الله، قد لا يراها هو ولا يشعر بها ولكن هناك من يراها ويفتقدها ويتمنى زوالها عنه.

وقد أرشدنا الدين لطرق تجنب الحسد بقدر الإمكان، وأول خطوة تجاه ذلك هي عدم التفاخر والتظاهر بما لدينا من نعم، حتى لا يكون تفاخرنا مثارًا لحقد وحسد من لا يملكون تلك النعم أو من يكرهون تمتعنا بها.

كما أن من أهم وسائل تجنب الحسد التمسك بشرائع الدين وقراءة المعوذتين، فمثلما أن للحسد طاقة، للأحرف والكلمات أيضا طاقة، وكلمات القرآن الكريم تمتلك طاقة مذهلة في مواجهة جميع الطاقات السلبية، ومن بينها طاقة الحسد.

وقد وردت في السنة النبوية وسيلة لعلاج العين إذا علمت صاحبها أو شككت به، ويكون ذلك بطلب الاغتسال أو الوضوء ممكن تشك أنه أصابك بالعين، ثم تغتسل بماء وضوئه، فإن الحاسد إذا علم خطأه وما قد تسبب لك فيه من ضرر، تتغير نيته تجاهك، فتنبعث منه طاقة مضادة لطاقة الحسد، ويحملها ماء وضوئه، فإذا اغتسل المحسود بذلك الماء، أفسدت طاقته طاقة الحسد التي أصابته فيبرأ.

ومن عجائب ذلك الحديث أنه اكتفى من الحاسد بالوضوء، بينما طلب من المحسود أن يغتسل، ذلك لأن طاقة الحسد تخرج من جبهة الحاسد تحديدا، بينما لا نعلم على وجه التحديد أي جزء أصابته من جسد المحسود.

كما أن الرقية وقراءة المعوذتين وآية الكرسي على المحسود أو قرائته هو نفسه لها تعالجه من الحسد.

عزيزي القارئ، قد بينا من خلال مقالنا هذا أن الحسد حقيقة ثابتة بالدين والعرف، وبالعلم أيضا، فلا يوجد أي تعارض بين مفهوم الحسد في الدين والعلم، وقانا الله وإياكم شر الحسد وأصحابه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى